هل أطفال المشركين في الجنة أم مع آبائهم في جهنم؟

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!
Advertissement

شرع الله -تعالى- عدّة أحكام في الشّريعة الإسلاميّة وجعل في النّفس البشريّة محفّزات لتدفعها إلى عبادة الله -تعالى- وطاعته، فبعض النّاس يخاف من نزول العذاب المذكور في القرآن الكريم فيه؛ ممّا يدفع ويحفّز إلى الطّاعة والالتزام بأوامر الله تعالى، وبعض النّاس يميلون بفطرتهم إلى التّرغيب وانتظار الأجر والعاقبة الحَسَنة فيقومون بأوامر الله -تعالى- رغبةً في المنقلب الحَسن، وكانت إحدى طرق ترغيب النّاس بالطّاعات والعبادات ذِكْر الجنّة ووصفها وصفاً دقيقاً؛ ليتشجّع الناس ويُقبلون على أوامر الله -تعالى- وينتظرونها بلهفةٍ ورغبةٍ، ويلتزمون بما يوصلهم إلى الجنّة ويجتنبون ما يُبعدهم عنها، وذكرت بعض الأحاديث النبويّة والآيات القرآنية التي وصفت الجنّة وأهلها،فهل أطفال المشركين يدخلون الجنلة أم يدخلون النار مع آلبائهم في النار؟

اختلف العلماء في حكم أطفال المشركين في الآخرة ، وقد سبق بيان أنهم يمتحنون كما يمتحن أهل الفترة ونحوهم ، فمن أطاع منهم دخل الجنة ، ومن عصى منهم دخل النار،أما في الدنيا فأطفال المشركين تبعٌ لآبائهم في الأحكام ، كالإرث والنكاح والقصاص والديات وغير ذلك ، فلا يغسلون ولا يصلى عليهم ولا يدفنون في مقابر المسلمين،قال ابن القيم رحمه الله : ” قد علم بالاضطرار من شرع الرسول صلى الله عليه وسلم أن أولاد الكفار تبع لآبائهم في أحكام الدنيا ” انتهى من “شفاء العليل” (ص 298)، وكون أطفال المشركين يتبعون آبائهم في أحكام الدنيا لا يعني أنهم في حقيقة الأمر كفار ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ ) رواه البخاري (1385) ، ومسلم (2658).
فهم كلهم مولودون على الفطرة ، ومنهم من يدخل الجنة حتما،وإنما يقال : هم كفار حكماً تبعا لآبائهم ، لا حقيقة،قال ابن القيم رحمه الله : ” وَكَوْنُ الصَّغِيرِ يَتْبَعُ أَبَاهُ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا هُوَ لِضَرُورَةِ حَيَاتِهِ فِي الدُّنْيَا ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُرَبٍّ يُرَبِّيهِ ، وَإِنَّمَا يُرَبِّيهِ أَبَوَاهُ ، فَكَانَ تَابِعًا لَهُمَا ضَرُورَةً ” انتهى من “أحكام أهل الذمة” (2/1047)، قال : ” فَإِذَا سُبِيَ الطِّفْلُ مُنْفَرِدًا عَنْ أَبَوَيْهِ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ تَحْتَ وِلَايَتِهِ [ أي ولاية الإسلام ] ، وَانْقَطَعَتْ وِلَايَةُ الْأَبَوَيْنِ عَنْهُ ، هَذَا مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ ” انتهى من “أحكام أهل الذمة” (2/924)،

وقال : ” وَاحْتَجَّ الْفُقَهَاءُ وَالْأَئِمَّةُ بِهَذَا الْحَدِيثِ – يعني حديث : ( كل مولود يولد على الفطرة ) – وَوَجْهُ الْحُجَّةِ مِنْهُ : أَنَّهُ إِذَا وُلِدَ عَلَى الْمِلَّةِ فَإِنَّمَا يَنْقُلُهُ عَنْهَا الْأَبَوَانِ اللَّذَانِ يُغَيِّرَانِهِ عَنِ الْفِطْرَة ِ، فَمَتَى سَبَاهُ الْمُسْلِمُونَ مُنْفَرِدًا عَنْهُمَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَنْ يُغَيِّرُ دِينَهُ ، وَهُوَ مَوْلُودٌ عَلَى الْمِلَّةِ الْحَنِيفِيَّةِ ، فَيَصِيرُ مُسْلِمًا بِالْمُقْتَضي السَّالِمِ عَنِ الْمُعَارِضِ .
وَلَوْ كَانَ الْأَبَوَانِ يَجْعَلَانِهِ كَافِرًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِدُونِ تَعْلِيمٍ وَتَلْقِينٍ لَكَانَ الصَّبِيُّ الْمَسْبِيُّ بِمَنْزِلَةِ الْبَالِغِ الْكَافِرِ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْكَافِرَ الْبَالِغَ إِذَا سَبَاهُ الْمُسْلِمُونَ لَمْ يَصِرْ مُسْلِمًا ؛ لِأَنَّهُ صَارَ كَافِرًا حَقِيقَةً ، فَلَوْ كَانَ الصَّبِيُّ التَّابِعُ لِأَبَوَيْهِ كَافِرًا حَقِيقَةً لَمْ يَنْتَقِلْ عَنِ الْكُفْرِ بِالسِّبَاءِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ كَانَ يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْكُفْرِ فِي الدُّنْيَا تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ ، لَا لِأَنَّهُ صَارَ كَافِرًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ” انتهى من “أحكام أهل الذمة” (2/1047)، وقال أيضا :
” قال شيخنا – يعني ابن تيمية – : ” والإجماع والآثار المنقولة عن السلف لا تدل إلا على القول الذي رجحناه ، وهو أنهم على الفطرة ، ثم صاروا إلى ما سبق في علم الله فيهم من سعادة وشقاوة ” انتهى من “شفاء العليل” (ص 292).
وقد عرضت هذه المسألة على شيخنا عبد الرحمن البراك حفظه الله تعالى ، فقال: ” أطفال المشركين كفار حكماً لا حقيقةً ، ومعنى الكفر الحكمي : أنهم يتبعون آبائهم في أحكام الدنيا”،

ومسألة أطفال المشركين مما ينبغي على عموم المسلمين ألا يستكثروا من السؤال عنها ، وقد صح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : ” لَا يَزَالُ أَمْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ قِوَامًا أَوْ مُقَارِبًا مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا فِي الْوِلْدَانِ وَالْقَدَرِ ” ، رواه عبد الله بن أحمد في “كتاب السنة” (2/401)،
قال ابن حبان في صحيحه (6724): ” الْوِلْدَانُ: أراد به أطفال المشركين ” 

 و يرجح أنهم في الجنة، وكم قال النووي: وهو المذهب الصحيح المختار الذي صار إليه المحققون؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ﴾ [الإسراء: 15]، وإذا كان لا يعذب العاقل كونه لم تبلغه الدعوة، فلَأَنْ لا يُعذَّب غير العاقل من باب الأولى،
وروى أحمد من طريق خنساء بنت معاوية بن صريم عن عمَّتها قالت: “قُلت: يا رسول الله، مَن في الجنة؟ قال: ((النبي في الجنة، والشهيد في الجنة، والمولود في الجنة))؛ (إسناده حسن)،

ومن المعلوم أن الله – عز وجل – أخذ العهد والميثاق على البشر أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا؛ كما قال – تعالى:” وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ” ،[الأعراف:172]،

فمَن كذب وخالف هذا العهد والميثاق، كان من أهل النار، ومَن مات صغيرًا قبل التكليف، مات على الميثاق الأول؛ فإن كان من أولاد المسلمين، فهم في الجنة،

و هناك من قال أنهم في النار مع آبائهم، حكاه ابن حزم عن الأزارقة من الخوارج، وهو قول جماعة من المتكلمين، وأهل التفسير، وأحد وجهين لأصحاب أحمد، وحكاه القاضي نصًّا عن أحمد، وغلطه ابن تيمية بأنه قول لبعض أصحابه، ولا يحفظ عن الإمام أصلاً،

وحجة هؤلاء قوله – تعالى:” وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا”،[نوح 26،27]،وأجيب بأنه خاص بقوم نوح.

ولقد شرع الله عز وجل لنا الدين ليصلح لنا حياتنا ونسعد في الدارين فديننا هو الدين الوحيد الذي يحقق السعادة للفرد والمجتمع لأنه الدين الشامل الذي يتلائم مع الفطرة البشرية لأن الله تعالى هو الذي خلق الكون ويعلم ما يصلحه وما يفسده،[أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ”.

Advertissement

https://amzn.to/3iGgah9

‫0 تعليق