لماذا نموت؟ سؤالٌ يقتحم عقلَ كلِّ إنسان

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!
Advertissement

لماذا نموت؟ سؤالٌ يقتحم عقلَ كلِّ إنسان، وترتبط الإجابة عنه بوعي الفرد محدوديَّته من جهة، وبموقفِهِ من الحياة من جهةٍ أخرى. أنا الآن حيٌّ، لكنَّ حياتي لن تدوم، فكيف ينبغي أنْ أعيشَها؟ وهل الموت فناءٌ وعدم، أم ثمَّة حياةٌ ثانية؟ إذا كان ميلادُنا وموتُنا أمرَين لا نملك زمامَهما فإنَّ الزَّمانَ القائمَ بينهما مدَّةٌ يحياها كلُّ إنسانٍ وفقًا لفلسفته في الدُّنيا. ولكن هل في الحياة قيمةٌ أعظم من الحياة ذاتها؟ وكيف يؤثِّر الاعتقاد بخلود النَّفس أو بزوالها في رؤيتنا للموت والحياة؟

يُعتبر الموت من الحقائق الأساسيّة في الكون، ويعاينه الإنسان فيمن حوله، وسيمر به لا محالة، وقد اهتمّ الكثير من العلماء بموضوع الموت وماهيّته وما بعده من الجزاء والثواب ومن الحساب، ويتردّد على ألسنة الكثير من الناس سؤالهم بالحكمة من موت الإنسان، وكيف يحصل الموت، ورغم تقدّم العلم واتّساع المعارف واشتهار المعدّات الطبيّة الدقيقة إلّا أنّ الموت حقيقة لا بدّ من وقوعها على كلّ إنسان،

 الحكمة من موت الإنسان

 كتب الله -سبحانه وتعالى- على الإنسان الموت لحِكم جليلة، منها

  • بيان قدرة الله -سبحانه وتعالى- في خَلْق الإنسان من العدم، ثمّ مرور الإنسان في عدّة أطوار من الخَلق، حتى أصبح بشراً سويّاً، يسمع ويبصر، ويتكلّم ويتحرّك ويعقِل، ويأكل ويشرب، ويتزوّج ويتناسل، ويعيش في الأرض، ويسعى في طلب رزقه الذي كتبه الله -تعالى- له، ثمّ تتجلّى قدرة الله -سبحانه وتعالى- الكاملة في موت الإنسان؛ فيُصبح ساكناً بلا حركة، وكلّ ذلك بقدرة الله -تعالى- وحده، فجاء في القرآن الكريم: ( فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ*تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ).
  •  وصول النفس الإنسانيّة بالموت إلى درجة اليقين والتعرّف بالموت على حقيقة النفس الإنسانيّة؛ من حيث إنّها مخلوقة من قِبل خالق عظيم، وأنّ خلقُها لم يأتِ عبثاً بل كان لسببٍ وغايةٍ عظيمةٍ.
  • استخلاف الله -سبحانه وتعالى- للبشر في الأرض؛ يخلف بعضهم بعضاً، فلم يُخلق البشر خِلقةً قابلة للدوام، فلو كانوا كذلك لذهبت المصلحة والحكمة من جعلهم خلائف في الأرض.
  • ابتلاء الله -سبحانه وتعالى- للإنسان، بأن جعل نهايته في الحياة الدنيا هي الموت؛ ليعلم من يطيعه ومن يعصيه؛ قال الله سبحانه وتعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ).
  • o        استشعار نِعَم الله -سبحانه وتعالى- العظيمة على الإنسان، فلولا الموت ما هَنِأ للإنسان العيش في الأرض، ولا طاب له مقام فيها.

 حقيقة الموت عند الفقهاء

يعدّ الموت من الأمور التي لا يعلمها إلّا الله سبحانه وتعالى، وقد استأثر الله -سبحانه وتعالى- به في علم الغيب عنده لحِكمة يعلمها؛ قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)، وقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (مفاتيحُ الغيبِ خمسٌ لا يعلمُها إلّا اللهُ: لا يعلمُ ما في غدٍ إلّا اللهُ، ولا يعلمُ ما تغيضُ الأرحامُ إلّا اللهُ، ولا يعلمُ متى يأتي المطرُ أحدٌ إلّا اللهُ، ولا تدري نفسٌ بأيِّ أرضٍ تموتُ، ولا يعلمُ متى تقومُ الساعةُ إلّا اللهُ)

 أمّا بالنسبة لحقيقة الموت فقد قال بعض العلماء بأنّها انقطاع لتعلّق الروح بالجسد والمفارقة بينهما، فالانقطاع بينهما ليس انقطاعاً تاماً، وإنما هو تبدّل الحال، والانتقال من دار إلى دار؛ فالإنسان عندما يأتي أجله تنتهي حياته الدنيويّة بصفة نهائيّة، ويدخل في حياة أخرى لا يعلم حقيقتها وتفاصيلها إلّا الله سبحانه وتعالى، والإنسان يكون ميتاً في الشّرع بانقطاع الحياة عن جسده، وهذا موت نسبيّ؛ أي: بالنسبة لعلم الإنسان المحدود، وموت نسبي بالنسبة للدار الدنيا، وهو في الوقت ذاته بداية لدار البرزخ؛ وهي المرحلة التي بين الحياة الدنيا والحياة الآخرة.

 أمّا بالنسبة لمقدمات الموت، أو ما يُعرف بسكرات الموت؛ فهي: الآلآم والشّدة التي تعتلي المرء عند قدوم أجَلِه، وهذه الشّدة إذا كانت على المؤمن لا تدلّ على نقصٍ في إيمانه وتقّواه، وإنّما هي زيادة له في حسناته، أو تكفير له عن سيئاته، أمّا الشدّة بالنسبة للكافر فهي زيادة له في عذابه، فالأموات نوعان؛ هما: ميّت مستريح، وميّت مستراح منه، فعن أبي قتادة الأنصاريّ رضي الله عنه: (أنّ رسولَ اللهِ -صلّى الله عليه وسلّم- مُرَّ عليه بجنازةٍ، فقال: مُستريحٌ ومُستراحٌ منه، قالوا: يا رسولَ اللهِ، ما المستريحُ والمستراحُ منه؟ قال: العبدُ المؤمنُ يَستريحُ من نَصَبِ الدنيا وأذاها إلى رحمةِ اللهِ، والعبدُ الفاجرُ يَستريحُ منه العبادُ والبلادُ، والشجرُ والدَّوابُّ).

 حكم تمنّي الموت

نهى الإسلام عن تمنّي المرء للموت، لِما ورد عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم : (لا يتمنَّى أحدُكمُ الموتَ، إمّا محسِناً فلعلَّه يَزدادُ، وإمّا مُسيئاً فلعلَّه يَستَعتِبُ)، فالعبد لا يعلم ما ينتظره بعد الموت، وإذا كان تمنّي المرء للموت بسبب شدّة ألمّت به، فإنّ هذا يعدّ من باب الجزع ممّا أصابه، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (لا يَتمنَّينَّ أحدُكمُ الموتَ مِن ضُرٍّ أصابَهُ، فإن كانَ لا بدَّ فاعِلاً، فليقُلْ اللَّهُمَّ أحيِني ما كانتِ الحياةُ خَيراً لي، وتوفَّني إذا كانتِ الوفاةُ خَيراً لي)  إلّا أنّ هناك حالتين يجوز تمنّي الموت فيهما؛ الحالة الأولى: أن يخشى المرء على نفسه من الوقوع في الفِتن، والحالة الثانية: تمنّي الشهادة في سبيل الله.

مراحل الموت

 يعتمد موت الإنسان على ثلاثِ مراحل متتالية، تكون بموت ثلاثة أعضاء من الجسم هي المخ، والقلب، والرئتان، ثم موت جميع خلايا الجسم، وذلك كما في الشرح التالي:

1- الموت الإكلينيكي: تكون مدته أقل من خمس دقائق، وفيه تتوقف الرئتان والقلب عن العمل، وهكذا يتوقف ضخ الدم إلى الجسم والرئتين؛ لإمدادها بمادة الأكسجين والجلوكوز، وتكون خلايا المخ والجسم سليمة، لكنّ القلبَ وعملية التنفس متوقفتان، وفي هذه المرحلة يمكن إنقاذ حياة الإنسان الذي يكون في هذا الوضع، بإعادة تشغيل القلب والتنفس، عن طريق الأجهزة، أو بواسطة شخص ما.

 2- الموت الجسدي: يدخل الإنسان في هذه المرحلة، إذا تعدت فترة انقطاع الدم عن القلب والمخ أكثر من خمس دقائق، وبالتالي تموت خلايا المخ، ومن ضمنها الخلايا التي توصل الدم إلى القلب والرئتين، وبهذه الحالة يصعب عودة الإنسان إلى الحياة، إلا إذا وضع بأقسى سرعة على الأجهزة الطبية، حيث يتم إعادة تشغيل التنفس واستمرار عمل الدورة الدموية، وبهذا يصل الأكسجين إلى خلايا الجسم فتبقى حية، إلا أن خلايا المخ تكون ميتة؛ لهذا يضطر الأطباء الاستمرار في وضعه على أجهزة التنفس، حيث تخرج روح الإنسان في هذه المرحلة ولكن تبقى خلايا الجسم حية؛ لذلك لا يعتبر هذا الموت موتاً حقيقياً.

Advertissement

3- الموت الخلوي: في هذه المرحلة تتوقف الدورة الدموية عن العمل، وبالتالي يتوقف ضخ الدم إلى جميع أجزاء الجسم، و تموت خلايا الجسم بسبب انقطاع وصول المادتين الأساسيتين التي تحتاجها هذه الخلايا للاستمرار في الحياة، وهما الجلوكوز والأكسجين، حيث يكون في هذه الخلايا كمية من هاتين المادتين تستهلكهما، وإذا لم يتم الإمداد بكمية جديدة تموت، وفي هذه المرحلة تكون القلب والرئتين وخلايا المخ، وخلايا الجسم ميتة، وهكذا يموت الإنسان موتاً حقيقياً دون رجعة.


‫0 تعليق